ندوة القضاء والاعلام بطنجة: أرضية جديدة لعلاقة متميزة ومسؤولة بين القضاء والإعلام

المجهر 24/طنجة – متابعة .
أكد مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية  خلال ندوة الاعلام والقضاء التي احتضنها بيت الصحافة بطنجة الجمعة الماضي ، ان المغرب اختار التوجه نحو المستقبل بمشروع مجتمعي حداثي قوامه الحرية والمساواة والكرامة والمواطنة والمسؤولية، باعتباره مشروعا مجتمعيا بدت ملامح خياراته جلية من خلال دستور 2011 الذي يعد من الجيل الجديد للدساتير الحقوقية حيث ضم أكثر من 150 حق دستوري ونص على تأسيس سلطة قضائية مستقلة بروح إصلاحية جديدة مهمتها حماية هذه الحقوق والحريات وتكريس الأمن للأفراد  والجماعات من خلال  محاكمات عادلة داخل آجال معقولة. 
وأوضح أن هذه الاستقلالية محاطة بالعديد من الضمانات  الدستورية  والقانونية ضمانا لأداء هذه السلطة للمهام الجسيمة المنوطة بها ، بكل حياد ونزاهة وتجرد وصونا لها من كل التأثيرات التي تزايدت بفعل عولمة متسارعة غيرت الكثير من القيم والمفاهيم وتنوعت معها العلاقات وتعقدت وأفرزت ممارسات جديدة على كثير من المستويات ومنها الممارسة الإعلامية حيث عرفت طفرة كبرى على مستوى آلياتها وأشكال اشتغالها وتزايد تأثيرها في تشكيل الرأي العام جعلت منها سلطة حقيقية فاعلة إلى جانب باقي السلط ومنها السلطة القضائية.  
واعتبر أن هاتين السلطتين تعتبران ركيزتان أساسيتان لقيام دولة القانون وملزمتان بمد الجسور لبناء علاقة تكاملية تستند على الضمانات الدستورية والقانونية والأخلاقية من أجل تعزيز الشفافية وتكريس الثقة  من خلال قضاء يحمي الحقوق والحريات وإعلام يوجه إلى الإصلاح ويرصد التجاوزات والاختلالات هدفهما جعل تكريس ثنائية الحقوق والحريات والواجب والالتزام كثقافة مجتمعية راسخة.
وحيا عاليا الدور الوطني الكبير  الذي تقوم به نساء ورجال الإعلام ببلادنا من مختلف مواقعهم ومسؤولياتهم من أجل مشروع مجتمعي يؤمن بأنه لا ديموقراطية دون قضاء قوي مستقل وإعلام حر نزيه.
وأبرز الرئيس الأول للسلطة القضائية الدكتور مصطفى فارس، انه لا يمكن اليوم أن نكسب رهان ثقة المواطن في العدالة إذا لم يلمس عن قرب الصورة الحقيقية للمجهودات الكبرى التي يتم بذلها والإكراهات المتعددة التي يتم تذليل عقباتها بكل تفان وإخلاص.
وفي هذا الإطار يبرز الدور الهام الذي يؤديه الإعلام المهني الجاد في إيصال هذه الصورة من خلال تنوير الرأي العام وإبراز الحقائق ودحض التوجهات التبخيسية وتوجيه النقد البناء الذي نطور من خلاله آليات العمل ونقوم به الاختلاف. 
وأشار الى أن الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تعرفها  السلطة القضائية ببلادنا أفرزت دينامية إيجابية واضحة سواء في مجال الهيكلة أو التنظيم والحكامة وأن المسار سيبقى طويلا وشاقا من أجل تحقيق كافة الانتظارات وعلى رأسها  تغيير العقليات والممارسات ، تغيير يبقى من الأدوار الأساسية الهامة التي يجب أن يقوم بها الإعلام من أجل مواكبة هذه المرحلة بكل مهنية ومسؤولية.
 وركز الدكتور فارس على ما جاء في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى أسرة الصحافة والإعلام سنة 2002 التي  جاء فيها :” وبوصفكم إعلاميين مهنيين فإنكم تتحملون مسؤولية تاريخية لتحقيق هذا المشروع وهي مسؤولية تتقاسمونها مع الدولة ومع كافة الفاعلين في الحياة العامة” .
كما شدد السيد الرئيس على أنه  لم يعد مستساغا ولا ممكنا اليوم أن تشتغل العدالة  في أجواء محاطة بالتكتم، حيث يبرز هنا دور الإعلام في دعم وتحصين العمل القضائي وبالمقابل يبقى القضاء هو الضامن لحرية الإعلام تجاه مجمل التحديات والمخاطر التي تهدده، من خلال حرية مسؤولة ومنضبطة لقواعد القانون وأخلاقيات المهنة وبعيدة عن الانزلاقات والتجاوزات التي يلاحظ الجميع انتشارها في الفترة الأخيرة بشكل يهدد الكثير من الحقوق والحريات الأخرى الأساسية في البناء الديموقراطي.
كما حيا عاليا الجهود الكبرى التي تبذلها العديد من المؤسسات والأطر المهنية الإعلامية من أجل مواجهة هذه الظواهر المسيئة للثقة الواجبة في رسالة ومهنة الصحافة و التي تمس بشكل كبير بقيمها وأدوارها المجتمعية وتجعلها في تماس مباشر مع نصوص القانون وتحت طائلة جزاءاتها المدنية والجنائية.
وعبر الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية عن  قناعته اليقينية بضرورة المبادرة الجادة والتعاون المثمر، المستمدة من نصوص دستور 2011 عبرنا عنها من خلال تنظيمنا  ثلاث دورات سنوية تواصلية تكوينية جمعت أسرتي العدالة والإعلام، كانت إحداها هنا ببيت الصحافة  حضرها أكثر من 80 منبرا ومؤسسة إعلامية من أجل مناقشة أهم المواضيع التي تؤطرها هذه العلاقة سواء من الناحية الدستورية والقانونية والقضائية والحقوقية والتنظيمية، شارك فيها ثلة من المتخصصين وعدد كبير من الإعلاميين والصحفيين، وكان من ثمرتها ميلاد جمعية إعلاميي العدالة كنواة لإعلام محترف متخصص  في تغطية الشؤون القضائية. 
ودكر بحرصه على إحداث ولأول مرة مؤسسة قاض مكلف بالتواصل لدى محكمة النقض وتم إنشاء قناة خاصة بها على اليوتيوب منذ 2013 هدفها تقديم وصلات ذات مضمون قانوني قضائي تثقيفي وإخباري موجه خاصة للفئة الشابة التي تشكل نسبة هامة من مستعملي الانترنيت إيمانا منه بالدور الأساسي الذي يؤديه التواصل والإعلام والحوار  في رفع منسوب الشفافية والثقة، باعتبارها
مبادرات كان الهدف منها أيضا المساهمة في المسار الذي دشنته المملكة من أجل صحافة مهنية مسؤولة وصادقة. 
ونوه الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالدور الهام للمجلس الوطني للصحافة كمؤسسة موكول لها الضبط الذاتي لهذا القطاع وتؤشر على استقلال هذه المهنة الذي يعد إضافة نوعية للمشهد الإعلامي بالمغرب من خلال مجلس وطني يضم في تركيبته قاض يمثل السلطة القضائية وذلك في بعد ذي رمزية كبيرة يؤكد على الارتباط ويحث على التعاون بين المؤسستين .
واوضح انه إذا كان البعض اليوم ينتقد أي محاكمة أو إجراء تضمن شبهة الخروج عن الضوابط القانونية الواجبة، فإننا اليوم أصبحنا نشهد أيضا كثيرا من المحاكمات الإعلامية تتفوق فيها المشاعر على الوقائع ويبحث أصحابها عن السبق بعيدا عن الحياد والمهنية والاستقلالية والموضوعية في انفلات واضح وخروج سافر عن الضوابط القانونية والأخلاقية.
محاكمات إعلامية توجه اتهامات وتصدر أحكاما وتنفذ عقوبات في حق الأفراد والمؤسسات حتى قبل تقديم شكاية من المتضرر الحقيقي أحيانا،في مس صارخ بقواعد المحاكمة العادلة  ومبادئ   استقلال القضاء ، وهي تجاوزات لا بد أن نتصدى لها جميعا بكل جدية ووفق برامج عمل محددة الأهداف والأولويات.
ودكر الدكتور فارس بالمخطط الاستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، الذي يضم برامج تكوينية وتحسيسية وتواصلية لفائدة المسؤولين القضائيين والإعلاميين الهدف منها خلق مؤسسة قاض مكلف بالتواصل بالمحاكم وبتأهيل قضاة متخصصين في قضايا وملفات الإعلام من خلال توفير تكوينات ملائمة في مجال حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية وغيرها.
وإصدار دلائل وأعداد خاصة بالقضايا المرتبطة بالإعلام والقضاء تساعد في التأطير والتكوين والكل في إطار مقاربات تشاركية منفتحة على كل الفاعلين.  
واضاف الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بأن لاسبيل لتطوير صحافة جيدة دون ممارسة مسؤولة لحرية التعبير تكسب الإعلام المصداقية الضرورية وتخوله النهوض بالدور المنوط به ليتبوأ المكانة اللائقة به في الحياة العامة، وأن  الكلمة أصبحت اليوم كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس نصره الله : ” أكثر من أي وقت مضى بمثابة السلاح الذي يعتد به في المعارك كما غدت أعظم المعارك ضراوة تلك التي تخاض من اجل كسب رهان الرأي العام.
فالحرية والمسؤولية هما عماد مهنتكم ومنبع شرفها فعليكم أن تمارسوها بكل إقدام وحكم وموضوعية….” انتهى النطق الملكي.
وختم مداخلته بأن “المستقبل ينتمي للذين يعدون له اليوم، مستقبل بإعداد جاد وإجراءات عملية ومبادرات مواطنة هادفة وإمكانات متاحة وفق حكامة جيدة مضبوطة.
وأن المقتضيات الدستورية والانتظارات المجتمعية تلزمنا اليوم كسلطة قضائية بتعزيز حرية الصحافة والإعلام لكن وفق مقاربة شمولية داخل منظومة الحقوق والحريات وهي ليست بالمهمة السهلة أو اليسيرة، بل تطالبنا جميعا بأن نهتم أكثر بمجالات التكوين والتخليق والهيكلة بعيدا عن المقاربة الفكرية التجزيئية المترددة وغير الموضوعية.
شارك المقال
  • تم النسخ