كلمة السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب في افتتاح الندوة الوطنية حول : “تمويل الاقتصاد الوطني: نحو تنمية إدماجية”

المجهر24/الرباط-متابعة

نظرا لأهمية مضمون الكلمة الافتتاحية،ننشر في المجهر24، النص الكامل لكلمة السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب في افتتاح الندوة الوطنية حول :”تمويل الاقتصاد الوطني: نحو تنمية إدماجية”.

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيد رئيس مجلس المستشارين
السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة
السيد والي بنك المغرب
السيد رئيس المجموعة المهنية لأبناك المغرب،
السيد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب
السيدات والسادة مسؤولي المؤسسات البنكية،
الزميلات والزملاء أعضاء مَكْتَبَيْ مجلسيْ البرلمان ورؤساء الفرق واللجان البرلمانية،
السيدات والسادة البرلمانيين؛
يسعدني أن أفتتح معكم أشغال هذه الندوة الوطنية التي نناقش خلالها موضوع “تمويل الاقتصاد الوطني: نحو تنمية إدماجية”، والتي تعرفون سياقها المتمثل، خاصة، في الدينامية التي أطلقها خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله خلال افتتاح السنة التشريعية الجارية والذي حَثَّ فيه جلالتُه القطاع البنكي الوطني على مزيد من الالتزام والانخراط في دينامية التنمية ولاَسِيَمَا تمويل الاستثمار ودعم الأنشطة المنتجة للشغل والمدرة للدَّخل.
وتاتي هذه الندوة أيضا مباشرة بعد أن ترأس صاحب الجلالة أعزه الله مراسيم تقديم البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات، والتوقيع على الاتفاقيات المتعلقة به، مما يجسد حرص جلالته، بالملموس، على الإعْمَالِ السريع والناجعِ لهذا البرنامج.
وأود في البداية أن أعرب لصاحب الجلالة عن صادق الامتنان ووافر العرفان على تفضل جلالته بأن يُسْبِغَ رعايتَهُ السامية على هذه الندوة الوطنية.


ويطيب لي أن أرحب بالمسؤولين/الأصدقاء الذين لَبَّوْا دعوتنا من أجل إغناء هذا اللقاء، خاصة وأن الأمر يتعلق بثُلَّةٍ من أصحاب القرار، من خِيرَةِ نُخَبِ هذا البلد، مُؤَهِّلاَتٍ وخبرةً ورؤيةً استشرافية، وأخُصُّ بالذكر السادة وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، ووالي بنك المغرب ورئيس المجموعة المهنية لأبناك المغرب ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب. كما أرحب بزميلي رئيس مجلس المستشارين وبالسيدات والسادة رؤساء ومسؤولي المؤسسات البنكية والزميلات والزملاء البرلمانيين أعضاء مكتَبَـيْ مَجْلِسَيْ البرلمان ورؤساء الفرق واللجان البرلمانية الدائمة الذين لَبَّواْ دَعْوَتَنا.
إذا كان تنظيم هذه الندوة الوطنية يندرج في سياق استجابة مجلس النواب لدعوة جلالة الملك الحكومة والبرلمان ، إلى توفير وسائل نجاح المرحلة الجديدة من تاريخ المغرب المتميزة ببلورة نموذج تنموي جديد وإعطاء نَفَسٍ جديد للإصلاحات، فإنه يَتَوَخَّى ترسيخَ التفاعل والحوار بين السلطة التشريعية من جهة، والسلطة التنفيذية والفاعلين الخواص مُمَثَّلِين هنا بالقطاع البنكي من جهة أخرى، وبمشاركة سلطة النقد مُمَثَّلَةً بالسيد والي بنك المغرب، استشرافاً لاقتراحات وخلاصات قصدَ إعطاء الدَّفْعِ الضروري، النوعي والخلاَّق لآليات تمويل الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر هذا التمويل، ولِـمَا ينبغي لمختلف المؤسسات المعنية القيامُ به لبلوغ هذا الهدف، مع استحضار حاجيات الاقتصاد العصري.
وقبل أن أقترحَ بعض المحاور التي ينبغي أن نُفكرَ فيها معاً، أَودُّ أن أُثْنِي على القطاع البنكي الوطني الذي أَثْبَتَ، في مراحل الازدهار كما في سياقات الأزمات، صَلَابَتَه، وأكد بالأساس استقلاليتَه، وأَبَانَ، أكثر من ذلِكَ، عن قوةٍ ومناعةٍ يُجَسِّدُها امتدادُه وانتشارُه المؤسساتي داخل الوطن وخَارِجَهُ، وخاصةً في عدد من باقي الأقطار الإفريقية حيث يَضْطَلِعُ بدورٍ حاسمٍ في تجسيد ومواكبة السياسة الاقتصادية الإفريقية للمملكة، والمساهمة تمويل التنمية في هذه الأقطار.

السيدات والسادة،
لقد أطلقت التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية ديناميةً جديدةً في استشراف تنويع التحفيزات العمومية لدعم المبادرة الخاصة، وبالتحديد الشبابية منها، إذ تم بمقتضى قانون المالية برسم 2020 إحداث “صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية” رصدت له ستة (06) ملايير درهم على مدى ثلاث سنوات، ويتم تدبيره في إطار شراكة بين الدولة وبنك المغرب والمجموعة المهنية للأبناك، والذي يُعَوَّلُ عليه في دعم الخريجين الشباب الراغبين في ولوج عالم المقاولة، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة المُوَجَّهَةِ مَنْتُوجاتُها نحوَ التصدير، وكذا دعم تأهيل القطاع غير المهيكل قصد إدماجه في الأنشِطة المنظَّمَة.
إنها خطوة أولى جِدُّ دالَّةٍ تَلَتِ الخطاب الملكي، وهي مؤشرٌ جِدُّ إيجابي على إرادةِ التعبئة الجماعية من جانب القطاعين العام والخاص للمساهمة في تمويل المبادرات الاستثمارية الخاصة، وهو ما تَجَسَّدَ أول أمس في التوقيع، تحت رئاسة جلالة الملك، على الاتفاقيات المتعلقة بالبرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات.
وفي إطارتنفيذ التوجيهات الملكية السامية بشأن دعم المقاولين الشباب، تدرس لجنة المالية و التنمية الاقتصادية بمجلس النواب حاليا مشروع قانون التمويل التعاوني، الذي يضع الإطار التشريعي لآليات تمويل بديلة لفائدة المقاولات الأصغر و الصغيرة و مشاريع الشباب، وهو المشروع الذي سَتُصَوِّتُ عليه اللجنة غدا الخميس.
وإذا كان صندوق تمويل المبادرة المقاولاتية والاتفاقيات الموقعة تحت رئاسة جلالة الملك، تشكل خطوات حاسمة على طريق تفعيل البرنامج المندمج،والتي تَنْضَافُ الى آليات تمويلٍ أخرى عديدة، فإن المرحلةَ الجديدةَ التي يَلِجُها الإقتصادُ الوطني والتَّوَجُّهاتُ التي من المفترضِ أن يأْخُذَها في سياق إِعْمَالِ النموذج التنموي الجديد، تطرحُ إشكالياتٍ وأسئلةً ذات طبيعة جديدة بشأن مصادر التمويل الذي يرتفع الطلب عليه، مع تنوع الاقتصاد، والخدمات وحاجيات المجتمع، وتُحتِّمُ علينا استعمالَ ذكائِنا الجماعي لاستشراف السياسات التمويلية الناجعة لتحقيق التنمية.
أَمَّا أول هذه الأسئلة فيتمثل في مدى قدرة مصادر التمويل الداخلية التقليدية، أي ميزانية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، وقروض الأبناك الوطنية على الاستجابة لحاجياتِ تمويلِ اقتصادِ صاعد، كالاقتصاد الوطني، حيثُ فُرَصُ الإستثمار مُتاحةٌ وحيثُ القطاعاتُ الواعدةُ، فإن إمكانياتِ التمويل وافرةٌ إذا نحن عَزَّزْنَا وَوَاكَبْنَا إصلاحَ نِظَامِنَا الضريبي وتَمَكَّنَّا من جعلِه أكثرَ صرامةً وإنصافاً، ووسَّعْنَا الوعاءَ الضريبي وكَفَلْنَا له الاستدامة، وهو ما يُمْكِنُ أن يتعززَ بإدماج الاقتصاد غير المهيكل في نظام الدورة الاقتصادية النظامية ؛ ذلكم أن اسْتِدَامَةَ التمويل العمومي مشروطٌ بمداخيل جديدة ، قارة ، ومستدامة مندمجة في إطار نسقٍ متوازنٍ للمداخيل والنفقات.
ويتعلق ثاني الأسئلة بمدى قدرتنا، ليس فقط على الإدِّخار، ولكن على نجاحنا في تعبئة هذا الإدخار وتوظيفه في تمويل الاقتصاد الوطني، والانفاق من موجوداته في ما هو منتج، وفي ما يُغَذِّي الدورة الاقتصادية والخدمات، حتى يكون إدِّخاراً منتجاً لثرواتٍ جديدة وللشغل.
أما ثالث الأسئلة، فيتعلق بالرهان على التمويل الخارجي، متمثلا بالأساس في الإقتراض، وفي الدعم من أجل التـنمية. ولئن كان هذا المصدرُ، يُشَكِّلُ آليةَ تمويلٍ ناجعة، فإنه من زاويةِ النَّظَرِ الجيوسياسية، ومع التقلبات الإقليمية والدولية، والظرفية العالمية، يَبْقَى مصدراً محدوداً.
سيكون من الأَفْيَدِ، إذن، تنويعُ مصادر تمويل الإقتصاد الوطني، والتحفيز على جعله يعتمد على التمويل الذاتي بأكبر قدر ممكن، ويَخْلُقُ أنشطة جديدة.
وعلاقة بالتمويل الداخلي، أغتنمُ فرصةَ حضور المسؤولين المعنيين بالاقتراض، لأتساءل، أو بالأحْرى لأنقل تساؤل الفاعلين الاقتصاديين عَمَّا إذا كان سعرُ الفائدة الرئيسي لا يؤثر على اللجوء للاقتراض لتمويل المشاريع.

السيدات والسادة،
مافتئ جلالة الملك يجسد بالملموس عنايته بالبادية المغربية، إذ تُلْزِمنا توجيهات ورؤية جلالته بأن نُفَكِّرَ مجالياً، أن نفكر في آليات تمويل المبادرات الاستثمارية الخاصة، وبالتحديد المبادرات الشبابية، في البادية المغربية، حيث تتوفر إمكانياتٌ هائلةٌ ينبغي تحويلُها إلى ثرواتٍ، ومداخيلَ وفرصَ شغلٍ. وما من شك في أن إحدى الاتفاقيات الموقعة أول أمس تحت رئاسة جلالة الملك والتي تتعلق بالادماج المالي للساكنة القروية، ستخلق دينامية جديدة في اقتصاد البادية المغربية. وينبغي في هذا الصدد أن نستحضرَ توجيهات جلالة الملك بشأن ضرورةِ دعمِ قيامِ طبقةٍ وُسطى في العالم القروي حيث ينبغي تحويلُ الخصاصِ إلى فرص للنجاح والإنبثاق، وحيثُ يتم ضمانُ الأمن الغذائي، والحدُّ من الهجرة نحو المدن، وتطوير الفلاحة باعتبارها، ليس فقط قطاعا اقتصاديا حيويا، ولكن لأنها من التقاليد الإيجابية العريقة والراسخة في تاريخ هذه الأمة. وعلينا أن نستحضرَ، ونحن نخطط للمستقبل القريب، كيف أن الغذاء ومَصَادِرَهُ سيكون في أصلِ نزاعاتٍ إقليمية ودولية على المدى المتوسط والبعيد. وسيصبحُ حاسماً في الاستراتيجيات الدولية. ومُؤَّدَّى ذلك أنه ينبغي، أن يكون رهانُ إطلاقِ دينامياتٍ مُقاولاتية جديدة في العالم القروي، جزءً مما يتعينُ استحضارهُ في آليات تمويل الاقتصاد الوطني. إِنَّ الأمرَ يتعلق بمجالٍ ترابيٍّ بِكْرٍ للاستثمار يفتح آفاقَ واعدةً أمام الإقتصاد الوطني.
ويمثل سياقٌ مثلُ هذا فُرَصاً واعدةً للأبناك المغربية في مجال يحتاج إلى التجهيزات، وإلى التكنولوجيا الفلاحية، وإلى عصرنة وسائل الإنتاج.
وعلاقة بما سبق، ينبغي أن نستحضرَ أن من الاصلاحات الكبرى الجاري تنفيذُها في المغرب، تُعْتَبَرُ الجهويةُ الموسعة إحدى مرتكزاتِ إصلاحِ الدولة، وهو ما يفتحُ آفاقَ واعدةً أمام الاستثمار و الدينامية الاقتصادية. وإذا كانت الإمكانياتُ المالية العمومية المرصودةُ للجهات متواضعةً بالقياس إلى الحاجيات، فإن التفكيرَ في إحداثِ مؤسساتٍ ماليةٍ جهويةٍ خاصة، و أخرى مشتركة بين القطاعين العام والخاص، من شأنها أن تواكبَ التنميةَ الجهويةَ والمجالية. وبالتأكيد فإن الاستثمارات بالجهات ينبغي أن تأخذَ بعين الاعتبار، مؤهلاتِ (la vocation) كل جهة وخصوصياتها. وأعتقد أن هذه المؤسسات الجهوية ستكون أكثر قُرْبًا من المشاريع، وأكثر قدرةً على تَوَقُّعِ المخاطر، وأكثر قدرةً على التّوجيه وإسداء الاستشارة، وقد تكون بمثابة قاطرات للتنمية الجهوية. وما من شك في أن الاتفاقية الموقعة أول أمس تحت رئاسة جلالة الملك والمتعلقة بتنسيق عمليات الدعم والمواكبة المقاولاتية على مستوى الجهات، ستشكل آلية جديدة لتحقيق البعد الجهوي في الاستثمار الصغير والأصغر، وتُسْهِمُ في دينامية ترسيخ الجهوية.
وفي هذا الإطار ينبغي التذكيرُ بالأدوار الهامة التي تضطلعُ بها المراكز الجهوية للاستثمار بعد التعديلات التي شملت القانون المنظم لها، وبعد تجديد هياكل عدد منها.
ونَحنُ نفكرُ في تمويل الاقتصاد الوطني، ينبغي أن نستحضرَ، أيضا، الأبعاد الإجتماعية للنموذج التنموي الجديد الذي دعا جلالة الملك إلى إعداد تصور بشأنه؛ ذلكم أن الاستثمار في القطاعات والخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وتكوين مهني وسكنٍ، تكتسي مردوديتُه طابعاً استراتيجيا. إنه وَسِيلَتُنا وطريقُنا إلى التماسك الإجتماعي، فضلا عن أنه التجسيدُ العملي للحقوق الأساسية التي يَكْفَلُها الدستور وتَضْمَنُها الدولة. وعكسَ التَّمثُّلاَتِ التقليدية التي تَعْتَبِرُ الإنفاقَ على القطاعات الإجتماعية نوعا من العِبْءِ على المالية العمومية، يتأكد من الممارسات المقارنة، أن الأمر يتعلق باستثمار بعائدات مرتفعة، باستثمار في المستقبل، وبإعداد الإنسان الجديد المستقل في تفكيره، المواطِن في سلوكاته والمشارك في الشأن العام.
وما من شك في أن تمويلَ مشاريعَ ومبادراتٍ في هذه القطاعات سيُنْتِجُ آثاراً جِدَّ إيجابيةٍ على التماسك الاجتماعي، فضلا عن مردوديتِه المالية.
وفي سياق اقتصاد عصري، عَصَبُهُ التكنولوجيا الجديدة للاعلام والاتصال والرقمنة، ينبغي أن تتجه التمويلات إلى المقاولات العاملة في هذا القطاع، وخاصة منها الناشئة، وتحفيزُ الشباب المشتغل في هذا المجال على التنظيم، وولوج الاقتصاد والخدمات المهيكلة حتى تتمكنَ من النمو والتّطور والتوسع وتَسْتَفِيدَ من الصفقات العمومية، ولمَ لاَ عبورُ الحدود الوطنية لتسجيلِ حضورٍ في بلدان أخرى وخاصة إفريقيا. إنه قطاع وَاعِدٌ يمكن للأبناك المغربية أن تواكبه.
السيدات والسادة،
لقد بلغ نظامُنا البنكي الوطني من النضج، و اكتسب من المهارات و الخبرة، مايؤهلُه ليكون في قلب تمويل التنمية ليس فقط من خلال القروض، و لكن ليكون مساهمًا في المقاولات الكبرى حتى يتسنى له المشاركة بالرؤية في تدبير المخاطر، وإعمالِ الحكامة الجيدة في المقاولات، و في التكوين و توطين المشاريع. ولعل في ممارسات مقارنة لقوى اقتصادية كبرى ما يُثْبِتُ نجاعةَ هذا الاسلوب من التنظيم والتمويل.
و من جهة أخرى فإن من مصلحة البلاد، و مصلحة القطاع أن يعزز مواكبة المقاولات الأصغر(PPE)، و المقاولات الصغرى والمتوسطة(PME) و المقاولات الناشئة (start up)، خاصة المتوجهة منها إلى مِهَنِ المستقبل، و إلى الاقتصاد الأخضر، و إلى التصدير. وعليها أن تتحلى بالانفتاح وتتواصل أكثر، أن تدرك أن مرحلة جديدة من تاريخ المغرب قد بدأت، وأنها توجد في صلب الدينامية التي تميزها.
وبالتأكيد فإن الربح سيكون مشتركا إذا مَاحَرِصَتْ الأبناك على تأطير ومواكبة الشباب حاملي المشاريع وتَمْكِينِهِمْ من الخبرات ومن المعلومات الضرورية، تيسيراً لفرص النجاح.
ومن البديهي أنه لا المرحلة الجديدة التي سَتَلِجُها بلادُنا مع تنفيذ التصور بشأن النموذج التنموي الجديد، ولا الدورُ الجديد الذي ينبغي أن تضطلعَ به الأبناك في التنمية والاستثمار، كل ذلك يحتاج إلى المناخ الاستثماري السليمِ، وإلى الشفافية والمساطر المُبَسَّطة، وإلى التأطير التشريعي والتنظيمي.
وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بمصادقة مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي على مشروعي قانونين، يتعلق الأول بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، والثاني بتبسيط المساطر الادارية.
وسيكون من باب تحصيل الحاصل تجديد التأكيد على التزام البرلمان المغربي (وواجبه) بالانخراط في هذه الدينامية الجديدة ليس فقط من خلال تسريع المساطر التشريعية لاعتماد التشريعات الضرورية لتأطير الدينامية الإنمائية الجديدة، ولكن، بالأساسِ من خلال مراقبة تطبيق القوانين بإصدار النصوص التنظيمية التي تَرْهَنُ تنفيذَها ،ومن خلال مراقبةِ السياسات العمومية، وتقييمها وصياغة اقتراحات متوافقٍ بشأنها لتحسينِها واستدراكِ الاختلالات المحتملة فيها.
وأود في هذا السياق، أيضاً، تأكيد التزام مجلس النواب على تَتَبُّعِ ومواكبة ومراقبة تنفيذ مكونات البرنامج الذي تم التوقيع على آليات تنفيذه تحت رئاسة جلالة الملك، وكذا تسريع المصادقة على أي تشريع من شأنه ان ييسر التنفيذ أو يخلق إمكانيات جديدة للشراكة وللتمويل، وكل ذلك في اطار احترام اختصاصات مختلف السلط والمتدخلين. إننا هنا من أجل التيسير والتسريع، خاصة في ما يتعلق ببرنامج يحظى برعاية وعناية ملكية خاصة.

السيدات والسادة،
لقد رَبِحَتْ بلادنا تحت قيادة جلالة الملك رهان الاصلاحات التي انطلقت خاصة منذ عشرين سنة، تَغَيَّرَ خلالها وَجْهُ المغرب، وَتَرَسَّخَ البناءُ المؤسساتي وتقوي الصَّرْحُ الديمقراطي، وتَيَسَّرَتْ عدةُ مصالحات، وتَمَّ الحسمُ في عدد من المعضلات المزمنة من خلال التوافق. ولكن تعزيزَ هذه المكتسبات وجعلِها مُستدامةً، يظلُّ رهيناً بشرطِ أن يَلْمَسَ المواطنُ أثرَ الاصلاح والانفاق العمومي،وأن يتجسد ذلك في إدماج الجميع، واستفادة الجميع من عائدات التنمية والتطور،بما يعزز الثقة في المؤسسات .
من أجل ذلك، علينا أن نَعْكِسَ/نَقْلِبَ (inverser) مجموعة من المعادلات: عَلَيْنَا تحويلُ الخصاص إلى فُرَصٍ، وتحويلُ الإمكانياتِ إلى ثرواتٍ، وزراعةُ الأملِ بمحاصرةِ اليأس، والإنتقال بالتضامن من منطق الإسعاف والمساعدة إلى منطق التمكين المنتج.
شكرا على إصغائكم.

شارك المقال
  • تم النسخ