نقطة وحرف … كتب : إبراهيم أبهوش|

في كل مرة تعلن السلطات الأمنية عن ضبط أطنان جديدة من مسكر “ماء الحياة”، أو ما يُعرف شعبيًا بـ”الماحيا”، يتأكد للجميع أن هذه الصناعة العشوائية تستعصي على الاحتواء، وأنها ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل واقع متجذر رغم كل المجهودات المبذولة لمكافحتها.
تجتاح الظاهرة مدنا صغيرة لا تتوفر على محلات بيع المشروبات الكحولية المرخصة، ولا على فضاءات ترفيهية، وبذلك تتحول إلى بؤر لصناعة “الماحيا”، حيث يتم ضبط كميات مهولة منها، كما حدث مؤخرًا في اقليم اشتوكة آيت باها “بيوكرى”، حيث تمت مصادرة 6.5 أطنان، أياما قليلة قبل شهر رمضان، أو في مدينة الداخلة، حيث تم توقيف مروج بحوزته 640 لترًا من المواد الأولية المخمرة، إلى جانب معدات تقطير وسلاح أبيض !!

وعلى الرغم من كل هذه العمليات المتواصلة، فإن الظاهرة تستمر في التوسع، لا لأن السلطات الأمنية تقصّر في التصدي لها، بل لأن المسألة تتجاوز البُعد الأمني إلى إشكالية أعمق تتعلق بسياسة المنع وعدم توفير بدائل قانونية أكثر أمانًا.
مشروب قاتل يتحدى كل محاولات المكافحة !!
الخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في انتشار “الماحيا”، بل في طبيعة تكوينها القاتل، حيث تُخلط بمواد كيميائية سامة، مثل :الكحول الصناعي والمضادات الحيوية ومركبات التنظيف، مما يؤدي إلى تسممات حادة، فشل كبدي، اضطرابات عصبية، وصولًا إلى الوفاة .
ومع غياب أي رقابة صحية، يظل المستهلكون في مواجهة مشروب مجهول المصدر، لا أحد يمكنه تحديد مدى خطورته، مما يجعلهم يقامرون بحياتهم مع كل رشفة ورشفة، فقط لأنهم لم يجدوا خيارًا آخر متاحًا.
حتى غدى المنع مغديا رئيسيا للسوق السوداء.
الحديث عن منع المشروبات الكحولية المرخصة في بعض المدن، وربما التضييق على بيعها في مدن أخرى، يطرح تساؤلًا جديًا: هل يخدم هذا المنع صحة المستهلكين، أم أنه يدفعهم نحو خيارات أكثر خطورة؟
الواقع أثبت أن كل ممنوع مرغوب، وأن منع المشروبات الخاضعة للرقابة دفع شريحة واسعة من المستهلكين إلى البحث عن بدائل أرخص، حتى لو كانت تُصنع في ظروف غير صحية، وتخلط بمكونات تهدد الحياة.
وبالتالي، ألا يكون تنظيم بيع المشروبات الكحولية المرخصة، وفق معايير صحية، أفضل من ترك المستهلك أمام خيارات مجهولة قد تنتهي به في قسم الطوارئ؟
بين الأمن والصحة والتوعية… ما الحل إذن ؟
ما يحدث اليوم يؤكد أن الحملات الأمنية وحدها غير كافية، وأن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب استراتيجية متكاملة تتجاوز العقوبات والمداهمات إلى حلول أكثر شمولًا، تشمل:
– تعزيز الرقابة الأمنية على معامل التقطير السرية ومنع تداول المواد الأولية الخطيرة
– تنظيم بيع المشروبات الكحولية وفق ضوابط صحية صارمة،لحماية المستهلكين من اللجوء إلى الخيارات القاتلة
– إطلاق حملات توعية مكثفة لرفع وعي المواطنين بخطورة المنتجات الكحولية غير الآمنة
– التعاون بين الجهات الصحية والأمنية لوضع حلول أكثر استدامة لمواجهة هذه الظاهرة
بين القوانين الصارمة والواقع العنيد.. هل حان وقت المراجعة؟
نعتقد جازمين أن المعادلة اليوم واضحة، وتقتضي إما تنظيم السوق بشكل صحي وآمن، وإما استمرار الفوضى ومزيدا من الضحايا.
أما العمل بتشديد العقوبات فهو في ظاهره أمر مهم جدا ، قد يحدّ من نشاط بعض المروجين، لكنه لن ينهي الطلب على هذه المادة القاتلة الرخيصة ، بل سيدفعها إلى المزيد من الانتشار والترويج في سرية، وإلى طرق إنتاج أكثر خطورة، كما يحدث مع كل تجارة ممنوعة لم يتم التعامل معها بشكل واقعي.
فهل حان وقت مراجعة السياسات والبحث عن حلول تتجاوز المنع إلى التنظيم؟ أم أن المواجهة ستظل مقتصرة على حملات الضبط التي رغم أهميتها، لم تنجح حتى الآن في الحد من انتشار ظاهرة ترويج “الماحيا” القاتلة ؟