المجهر24/العيون-حنان اوبهوش|
تثمين الموروث الثقافي المحلي وتكريس فعل ثقافة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بمدينة العيون، وبإرادة لاتقهر، عكستها تجربة تأسيس دار الملحفة، وهي وحدة تعاونية خاصة بإنتاج وصباغة الزي التقليدي الصحراوي،مساهمة من منخرطاتها في تعزيز المشاريع المدرة للدخل التي تزخر بها الأقاليم الجنوبية ، خاصة تعليم ودمج النساء في الحياة العملية ، ومسايرة عجلة التنمية .
هن مجموعة من نساء مدينة العيون ،انخرطن بعزيمة وارادة قوية ، ووعي كبير بمتطلبات السوق من انتاج وتسويق وفق معايير الجودة التي لاتخلو منها ثقافة النساء الصحراويات ، وكانت بالنسبة لهن تجربة فريدة ابتدأت من الصفر وكان حافزها ما عانته أغلب الصحراويات التاجرات أو المستوردات للملحفة من الجارة الجنوبية موريتانيا من متاعب اجراءات الاستيراد والتسويق والمنافسة .
تجربة صاحبتها اكراهات كثيرة تقول “الغالية” إحدى منخرطات التعاونية،”… كان العمل في مشروع دار الملحفة بوسائل بسيطة، أكبر معيق لنا أمام أحلامنا وتجربتنا المهنية ،قبل أن يتطور المشروع ، بفضل الدعم الذي تلقيناه كمتعاونات وتتحطم كل الحواجز والقيود، لتصل منتجات هؤلاء النسوة ولله الحمد اليوم إلى الأسواق المحلية، ومن بعدها إلى مختلف الجهات الجنوبية الثلاث”.
وقالت “فاطمتو” وهي فنانة متخصصة في تصميم الملا حف “تبدأ مراحل تصنيع الملحفة بهذا المشروع التعاوني بالثوب الأبيض الذي تعمل النساء الخياطات على تفصيله إلى أثواب عبر مقاسات مُختلفة الأحجام ، بعدها تقوم الرسامات برسم التصاميم المطلوبة وفق التصاميم التي عادة ماتواكب في شهرتها أحدثها في السوق ، لتتم بعد ذلك خياطتها، وصباغتها على مرحلتين، تليها مرحلة التجفيف، وبعدها تُوجه إلى الأسواق، ومن ثَم إلى الزبائن.
وتشغل تعاونية “دار الملحفة” اليوم ،حوالي 235 امرأة ، يعملن على إنتاج ما مجموعه 25 ألف ملحفة سنوياً، بمعدل 70 ملحفة في اليوم ، وهي عبارة عن قطعة ثوب واحدة، طولها مابين ثلاثة الى أربعة أمتار وبعرض متر ونصف ، وتتميز بأشكال وألوان حسب جودة ونوعية القماش، تسوق محليا بالعيون وباقي أقاليم الجهات الجنوبية الثلاث بأثمنة تفضيلية، وتطمح متعاونات دار الملحفة إلى الحضور الوازن في أسواق تنافسية أفريقية التي تصنع الملحفة وتقبل عليها كموريتانيا والسودان وغيرها من الدول الإفريقية في وقت كان أغلب الاستهلاك المحلي، مبنياً على الاستيراد من الجارة الجنوبية موريتانيا.
وتحرص النساء بالأقاليم الجنوبية المغربية ، باختلاف أعمارهن وطبقاتهن الاجتماعية على ارتداء الملحفة بشكل يومي ، وهي أنواع مختلفة ، بعضها يتم ارتداؤه بشكل يومي وأخرى مخصصة للمناسبات (الأفراح والأعياد)،تعطي للمرأة أناقة وجمالا استثنائيا، تميزها عن باقي النساء في المناسبات والأماكن ، ” الحضوة الاجتماعية “، حسب نوعية الملحفة وقيمتها المادية، باعتبارها رمزا من رموز الموروث الثقافي والأنوثة والجمال والجاه.
ويعد ارتداء الملحفة عادة توارثتها نساء الجنوب الصحراوي المغربي على مدى قرون ، وكانت أجود الملاحف تستورد من العاصمة الموريتانية نواكشوط وخاصة من “كيهيدي”، جنوب موريتانيا، وهي المدينة التي تشتهر بالصباغة التقليدية وزخرفة الملاحف، فيما تحظى ملحفة “النيلة” التي تستورد من مالي والنيجر ولونها أزق داكن يترك صباغة على الجسم، وتحتوي على مادة “النيلة” بقيمة عالية بحكم ماتعطيه من إشراق وجمال للبشرة بعد الاستحمام.
وتعتبر ملاحف النيلة من أول أنواع الملحفة قديما ، وهي عبارة عن قماش “غليظ” تلفه المرأة على جسدها لتحتمي بها من قساوة البرد ومن أشعة الشمس الحارقة ، وتحتوي النيلة على مادة مفيدة للبشرة ، ولا تزال تستعمل الى يومنا هذا كقناع للوجه لم لها من مزايا في إزالة التصبغات وتوحيد لون البشرة.
وبالرغم من تفاوت أسعار الملحفة، يبقى إقبال النساء على اقتناءها أمرا ضروريا ، التي تتراوح بين 45 درهما ، بالنسبة لبعض أنواع الملاحف من بينها “كاز”،التي تلبس بشكل يومي ، ويرتفع سعرها الى 3000 ألاف درهم للملاحف المصنعة من أثواب الحرير المعروف بجودته العالية.
وتبقى عزيمة وإصرار وإرادة متعاونات “دار الملحفة” محفزا وداعما لثقة الزبناء وشركاء التعاونية ، ولم يكن ليكتب لتجربة مشروع تعاوني بمدينة العيون ، النجاح لولا الدعم والمواكبة القبلية والبعدية التي صاحبت أغلب المشاريع التعاونية بالجهات الجنوبية الثلاثة في اطار برنامج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ، ومنها دار الملحفة ، التي تلقت الدعم المعنوي والمادي من السلطات المحلية والهيئات المنتخبة و شركائها وبدعم من وكالة الجنوب ، وكان من حظ دار الملحفة دعم مشروعها التعاوني بتجهيز قاعات خاصة بتعليم تقنيات صناعة الملحفة وتطوير خبرات ومهارات المنخرطات بالتعاونية في الميدان،بعد أن حظي هذا المشروع الواعد باستحسان المستفيدات من هذا الورش التنموي،الذي شكل نقلة نوعية في تحقيق الاكتفاء المحلي من احتياجات النساء الصحراويات لهذا الزي التقليدي المتميز والفريد من نوعه.