قناة العيون الجهوية بعد 21 سنة: ماذا تحقق بين التراكم المهني والفرص الضائعة؟

بقلم : ذ.ابراهيم أبهوش صحفي مغربي |

بعد مرور 21 سنة على إنشاء قناة العيون الجهوية، نستحضر اليوم سؤالًا جوهريًا: هل نجحت هذه المؤسسة الإعلامية في أداء وظيفتها الأصلية كمنصة للترافع الوطني، وإعلام القرب، والدبلوماسية الإعلامية؟ وهل استطاعت أن تواكب التحولات السياسية والدبلوماسية والتنموية التي عرفتها الأقاليم الجنوبية، أم أنها ما تزال حبيسة خطاب تقليدي عفا عليه الزمن؟
أعتقد أن الإجابة لا يمكن أن تكون أحادية أو انفعالية، بل تستدعي قراءة مهنية متأنية، يشاطرني فيها زملاء كثر من داخل الحقل الإعلامي الوطني والجهوي. لن أتحامل على أحد، لكن من واجبي المهني أن أطرح الأسئلة الحارقة التي قد تُحفّز العاملين بالقناة على تحمل مسؤولياتهم، إداريين ومنتجين وصحفيين، لأن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل مسؤولية وطنية ترتبط بالسياسات العمومية، وبمدى انعكاسها إيجابًا على المجتمع، كما أكدت التوجيهات الملكية في أكثر من مناسبة.
لقد بذلت الدولة المغربية مجهودًا دبلوماسيًا كبيرًا، بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، لإقناع العديد من الدول بفتح قنصليات لها بالعيون والداخلة، في اعتراف صريح بمغربية الصحراء. غير أن قناة العيون الجهوية غابت عن مواكبة هذا التحول النوعي، ولم تُنتج محتوى يُفكك فلسفة الحضور الدولي على الأرض، أو يُعرّف الرأي العام المحلي والدولي بأبعاد هذا التموقع السياسي الجديد. فهل يُعقل أن تمر لحظة دبلوماسية بهذا الحجم دون تغطية تحليلية، أو برامج حوارية، أو استضافة خبراء قادرين على تفكيك الحدث؟
وبرؤية مهنية عميقة، لا يمكن إغفال أهمية النموذج التنموي الجديد الذي رُصدت له استثمارات ضخمة بالأقاليم الجنوبية، من البنية التحتية إلى الاقتصاد والتعليم. ومع ذلك، لم تُواكب القناة هذا التحول بالشكل المطلوب. غابت البرامج التي تُقرب السياسات العمومية من المواطن، وغابت التغطيات التي تُبرز أثر المشاريع على الحياة اليومية للساكنة. فهل يُعقل أن يُنجز كل هذا دون أن يُترجم إعلاميًا إلى معرفة تُحفّز الوعي المجتمعي؟
الخطاب الإعلامي المعتمد داخل القناة ما يزال تقليديًا، يكتفي بنقل الأخبار دون تحليل أو تفصيل، ويغيب عنه استضافة الخبراء والمحللين الملمين بالحدث، القادرين على تفكيك زوايا المعالجة، حتى تتحول المعلومة إلى معرفة، والمعرفة إلى وعي. الإعلام الجهوي ليس مجرد نقل، بل هو إنتاج للمعنى، وتراكم للثقة، وتحفيز للنقاش العمومي.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال وجود كفاءات إعلامية داخل القناة، تم تهميشها أو إبعادها أو استبعادها، رغم قدرتها على الارتقاء بالمؤسسة إلى مستويات أعلى وأهم مما هي عليه الآن. هؤلاء الصحفيون والمنتجون والتقنيون يمتلكون من الخبرة والوعي والالتزام ما يؤهلهم لتقديم محتوى مهني، تحليلي، ومؤثر. فهل يُعقل أن تُقصى هذه الطاقات، في وقت تحتاج فيه القناة إلى كل نفس مهني قادر على التجديد؟
رغم مرور أكثر من عقدين على تأسيس قناة العيون الجهوية، ورغم موقعها الاستراتيجي في قلب قضية وطنية مركزية، فإنها ما تزال تراوح مكانها في ذيل ترتيب نسب المشاهدة بين قنوات القطب العمومي، حسب آخر الإحصائيات الرسمية. ففي الوقت الذي تتصدر فيه قناة “الأولى” بنسبة تفوق 34%، وتحافظ فيه “2M” والرياضية على حضور جماهيري متزايد، لا تتجاوز قناة العيون الجهوية عتبة 1.5%، وهو رقم صادم بالنظر إلى حجم الإمكانيات المادية المرصودة لميزانية تسيير القناة، والرهانات السياسية والدبلوماسية والتنموية التي يفترض أن تواكبها.
الحضور الإعلامي متفاوِت بجهات الصحراء الثلاث، إذ تأتي جهة كلميم واد نون في المقدمة من ناحية التقارير الإخبارية، تليها جهة الداخلة وادي الذهب، ثم جهة العيون الساقية الحمراء، رغم أن الأخيرة تحتضن مقر القناة. هذا التفاوت يطرح سؤالًا حول العدالة المجالية في التغطية، وحول قدرة القناة على تمثيل الجهات الثلاث بشكل متوازن ومهني.
ثم لماذا تتحول برامج رمضان إلى مساحة للتسلية فقط، في حين أن المناسبة تتيح فرصة ذهبية لإنتاج محتوى يُعزز الهوية، ويُعرّف بالإنسان، المجال، التراث، الدين، العادات، والتقاليد؟ وهل يُعقل أن تغيب البرامج الحوارية الاجتماعية والسياسية، والدراسات التحليلية والحقوقية عن واقع الحال بمخيمات تندوف، في وقت تتصاعد فيه المنافسة من إعلام الجوار؟
إن إصلاح قناة العيون الجهوية لا يبدأ من تغيير الأشخاص فقط، بل من إعادة النظر في فلسفة التسيير نفسها. إسناد المهام الإدارية لمهنيين محترفين قادرين على تنزيل فلسفة إنشاء القناة من الأصل هو المدخل الحقيقي للتغيير. نحتاج إلى حضور استباقي، تحليل استشرافي، وقبول بالزملاء من مختلف التيارات والتوجهات، لا بمنطق النفوذ أو الولاء. كما يجب القطع مع كل ممارسة تُقصي الكفاءات القادرة على التنافس لتولي إدارة القناة والنهوض بها.
قناة العيون الجهوية ليست ترفًا إعلاميًا، بل ضرورة وطنية في مرحلة دقيقة. وإذا كان النقد غايته الإصلاح، فإن هذه المقالة ليست سوى دعوة صادقة لتحمل المسؤولية، وإعادة الاعتبار لمؤسسة إعلامية نحبها ونريدها أن تكون في مستوى رهانات المرحلة. وهي دعوة مهنية موجهة للرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، السيد فيصل العرايشي، ومن خلاله إلى كل المسؤولين المتدخلين في تدبير هذه القناة، ماليًا ومعنويًا، من أجل إعادة النظر في فلسفة التسيير، وتفعيل آليات التحفيز، وتمكين الكفاءات، وتوسيع الأفق التحريري، بما يليق بمكانة الصحراء المغربية، وبانتظارات ساكنتها، وبحجم التحولات التي تشهدها المنطقة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)