الحكومة التي تطالب بالحوار تغيب عن الجهات: أين قطب المغرب الذي نريد؟

بقلم: ذ. إبراهيم أبهوش – صحفي مغربي|

لماذا تصر الحكومة المغربية على المطالبة بالحوار في لحظات التوتر، بينما تتجنب التواصل في لحظات البناء؟ ولماذا تغيب عن الأوراش الجهوية التي تُقرّها مجالس منتخبة، وتُصادق عليها جهات رسمية، وتنتظر فقط التزام القطاعات الوزارية؟ أليس هذا الغياب أحد أسباب تعثر تنزيل الجهوية الموسعة؟ وهل يمكن لحكومة أن تطالب بالثقة وهي لا تُمارس الشفافية؟
لقد صادق رؤساء وأعضاء مجالس الجهات بالمغرب على مشاريع تنموية مهمة خلال دورات أكتوبر الجاري، مستحضرين مقترحات المنتخبين والعمال والولاة، لكن في غياب شامل للقطاعات الوزارية الشريكة، مما يجعل هذه المشاريع معلقة أو مؤجلة أو غير مبرمجة في التزامات الوزراء. كيف يمكن تنزيل الجهوية فعليًا دون حضور حكومي ميداني؟ وكيف يمكن الحديث عن التشاركية بينما تغيب المسؤولية المشتركة؟
أليس من الأجدى أن يتحول كل وزير إلى فاعل ترابي، يعقد لقاءات شهرية في الجهات، بحضور الصحافة المحلية والمنتخبين؟ وإذا علمنا أن الحكومة تضم أربعة وعشرين وزيرًا، فإن تنظيم لقاءين شهريًا في كل جهة، بمعدل لقاء لكل وزير، يعني حلحلة قضايا قطاعين وزاريين كل شهر. هذا ليس مجرد تواصل، بل هو تفعيل عملي للجهوية، ومواكبة ميدانية للمشاريع، وتفاعل مباشر مع المواطنين. أليس هذا أفضل من مقاربة بيروقراطية لا تُنتج سوى البلاغات؟ أليس هذا هو المعنى الحقيقي للحكامة الترابية؟
لماذا يُهمّش الإعلام الجهوي في السياسات الحكومية؟ ولماذا لا يُستثمر كقناة للتفاعل والتقييم؟ الوزير الذي لا يرى ولا يسمع ما يجري في جهته، لا يمكنه أن ينجز أو يُحاسب. التواصل ليس ترفًا، بل هو صمام أمان سياسي ومجتمعي، والحوار لا يُبنى عند الأزمة، بل عبر تواصل مستمر، شفاف، وميداني.
أليس غياب التواصل والحوار والحضور الحكومي في الأوراش الجهوية هو أحد أسباب تعثر حلحلة الإشكالات الكبرى في الصحة والتعليم والتشغيل؟ وهل يمكن معالجة قضايا شباب حركة Z الذين خرجوا من رحم المعاناة، دون مقاربة محلية وجهوية مسؤولة ومقرونة بالمحاسبة؟ أليس ما وصلنا إليه اليوم نتيجة مباشرة لهذا الغياب؟
المغرب الذي نريد هو الذي لا يسير بسرعتين متفاوتتين كما قال جلالة الملك، بل مغربًا موحد الإيقاع، متوازن التنمية، متكافئ الفرص بين الجهات والأقاليم. نريد مغربًا لا تُختزل فيه الجهوية في الشعارات، بل تُترجم إلى سياسات ميدانية، وإلى حضور وزاري فعلي في كل جهة، وإلى تواصل مؤسساتي دائم مع الإعلام الجهوي والمجتمع المحلي.
نريد مغربًا تُصاغ فيه المشاريع التنموية بشراكة حقيقية بين المنتخبين والسلطات والقطاعات الوزارية، لا أن تبقى معلقة أو مؤجلة بسبب غياب الالتزام الحكومي. نريد مغربًا يُحاسب فيه المسؤولون على أساس ما أنجزوه ميدانيًا، لا على ما صرّحوا به في المكاتب المكيفة.
في انتظار مخرجات المطالب الاجتماعية لحركة جيل شباب “زيد” التي تجريها مختلف مؤسسات الدولة في القريب العاجل، يبقى الأمل معقودًا على أن تلتقط الحكومة الإشارة، وتنتقل من منطق المركزية إلى منطق القرب، ومن لغة البلاغات إلى فعل التواصل، ومن إدارة الأزمة إلى بناء الثقة. فالمغرب الذي نريد لا يُدار من فوق، بل يُبنى من القاعدة، من الجهات، من الميدان، ومن صوت المواطن الذي لا يُسمع إلا حين يحتج.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. سيدي :

    السلام عليكم ورحمة الله
    فاقد الشيئ لا يعطيه، فالحكومة برمتها لوزراء لا دراية لهم بالعمل السياسي و الاجتماعي بكل أشكالهما، فكلهم يفقهون في تمرير الصفقات لا غير، لذلك وجب وضع قانون أنتخابات بصفات نزيهة و علمية للمنتخم مع تجديد كل الهيئات والمؤسسات المختصة لأن الجوع فيها تخمرا، فالنظام له ما عليه كما على المجتمع و المؤسسات الامنية بضرب بيد من حديد على المستفيدين بدون رقابة وحساب و حكامة، فوجب عليهم فهم العمل لحساب
    الله الوطن الملك ،،، و دون ذلك مصالح لا غير.
    تحياتي لكم و لتفهمكم

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)