المجهر24/الرباط|
أكد المشاركون في مناظرة حول “العلوم الإنسانية والاجتماعية .. رهانات وآفاق”، أمس الأربعاء بالرباط، في المناظرة التي تنظمها أكاديمية المملكة على مدى يومين،وتتميز، بتنظيم مجموعة من المحاضرات حول الإشكاليات الكبرى، إضافة إلى ورشات تعنى بحقول محددة، يشارك فيها أساتذة جامعيون في العلوم الإنسانية والاجتماعية من كافة الجامعات المغربية والمؤسسات ،أن تعزيز أدوار العلوم الإنسانية والاجتماعية في تمثل التحولات والسياقات الراهنة، من شأنه تحقيق تنمية متكاملة، تعود بالنفع على كل من الفرد والمجتمع.
وقال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة، عبد الجليل الحجمري، إن المناظرة “تأمل ألا تكون تقييما فقط لواقع الحال، بل وقوفا عند الحصيلة المعرفية المتراكمة بشأن العلوم الإنسانية والاجتماعية، واستشرافا للمستقبل”، مؤكدا على أهميتها لفهم التحولات المجتمعية الاقتصادية، والثقافية، والسياسية.
وأضاف أن تنظيم مناظرة من هذا القبيل يسعى إلى صياغة الأسئلة الجوهرية بشأن العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبحث سبل تطويرها، بغرض “تمثل آثارها على مسارات التنمية، وإنجاز بحوث ذات جودة في هذا الاتجاه”، لافتا إلى ضرورة رصد اعتمادات مالية لتطوير هذه العلوم حتى تسهم من جهتها، في تحقيق التنمية المتكاملة التي تتأسس على التحول الرقمي.
وأوضح أن استحضار علوم الإنسان والمجتمع بالمغرب، يمكن من فهم أدوارها النقدية، خصوصا “في عالم يعيش اليوم فترة مراجعة الأفكار التي لا تكف عن التجدد في الأشكال والمضامين”، مشيرا إلى تجليات الأزمة ومختلف التحديات المستجدة التي تعرفها الإنسانيات والعلوم الاجتماعية.
وأبرز أن أكاديمية المملكة حرصت، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، على ضرورة توفير عدة معرفية، تعين على فهم تحولات المجتمع، وتنمية الخبرات، والقيم الإنسانية، عبر فلسفة ذات علاقة بالتنمية الوطنية، معتبرا أن تنظيم هذه المناظرة الأكاديمية يندرج في هذا الإطار ، من أجل المساهمة في تجديد المعرفة ذات الصلة بتخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية وأدوراها المجتمعية.
واستعرض حصيلة تجربة العلوم الانسانية والاجتماعية بالمغرب، ومساهماتها في التمكين لرأسمال بشري بمعارف مشهودة، مشيرا إلى ضعف الشروط المادية والمؤسسية التي يشتغل في إطارها عدد من الجامعات ومراكز البحث.
وذكر في هذا الصدد بتجربة معهد السوسيولوجيا ، الذي تأسس سنة 1959، وشكل “محطة أساسية في تأطير التكوين في هذه المجال”، مبرزا مساهمات هذا المعهد في وضع اللبنات الأولى للبحث في السوسيولوجيا في المغرب بعيد الاستقلال، من خلال توفير بحوث نظرية وميدانية، وآليات منهجية لرصد الواقع المغربي، سيما الظواهر القروية، ومختلف التغيرات الاجتماعية.
وأوضح المشاركون،أن إحياء أدوار ووظائف هذه العلوم يعتبر من الرهانات الكبرى، للمساهمة في تفعيل نموذج تنموي مغربي ناجح، يعزز مشروع النهضة الوطنية، ويجعل من الإنسانيات والعلوم الاجتماعية رافدَين أساسين للرأسمال اللامادي.
وأشاروا إلى أن هذه المناظرة لا تقتصر على رصد وضعية البحث في العلوم الإنسانية وطرائق تدريسها، بل تبحث الغايات المأمولة من وراء تدريسها، من أجل توظيفها في تحقيق التنمية المنشودة، داعين إلى “تطوير المناقشة الجماعية للمساهمات والأدوار المجتمعية والمعرفية لهذه العلوم، والارتقاء بممارستها، سيما عبر بلورة قواعد نظر، والتأسيس لأدوات بحثية ديداكتيكية بهذا الشأن”.
و توقفت عضو أكاديمية المملكة، السيدة رحمة بورقية، عند “مظاهر الأزمة” التي تعاني منها العلوم الإنسانية والاجتماعية في مقارباتها لقضايا الفرد والمجتمع، مسجلة الحاجة إلى إعادة النظر المعرفية والتحليلية في أنماط تمثل الظواهر المجتمعية الكبرى، وطبيعتها وتحولاتها، على غرار الإشكاليات المتعلقة بالعولمة، وتاريخ العالم، والهجرة والثقافة، في سياق التحولات الرقمية.
ورأت أن الأزمة التي تسم العلوم الإنسانية والاجتماعية، ترافق مختلف الظواهر المجتمعية، والمرتبطة على الخصوص بالقيم، والتحولات التي عرفتها الأسرة، مشيرة إلى التحديات والرهانات التي يتعين على العلوم الاجتماعيه والإنسانية كسبها، على مستوى الجامعة المغربية، ومواكبة المشترك العالمي، من أجل استيعاب متجدد للواقع والتاريخ.
من جهته، أكد عضو أكاديمية المملكة، علي بن مخلوف، على أهمية تمويل الأبحاث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية وإدراجها ضمن السياسات العمومية، مشيرا إلى الجهود المبذولة للارتقاء بواقع هذه العلوم.
وأضاف في هذا الاتجاه أن النزاهة العلمية، باعتبارها أحد أوجه أسس البحث في مجال هذه العلوم، ترتبط بالفضيلة المعرفية أو الفكرية، مبرزا عددا من المثل والمبادئ الاجتماعية التي يجب أن يستحضرها الباحث عند مباشرة الأبحاث، من قبيل الصدقية، والدقة، والصرامة العلمية.
من جانبه، توقف مدير الدراسات في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بفرنسا، ميشيل ويفيوركا، في مداخلته حول “مستقبل العلوم الإنسانية والاجتماعية: الآفاق والصعوبات”، عند محطات من تاريخ العلوم الانسانية والاجتماعية، مشيرا إلى التطورات التي شهدتها هذه العلوم، على مستوى التخصصات، من قبيل البنيوية، والوظيفية، والتفاعلية.
وتطرق السيد فيفيوركا إلى التغيرات التي عرفتها العلوم الإنسانية والاجتماعية في عصر العولمة، والتطور الرقمي والتكنولوجي الذي “كانت له تأثيرات على الحياة اليومية وعلى عمل الباحثين”، مشيرا إلى اعتماد هؤلاء على الوسائط الرقمية الحديثة في فهم الظواهر الاجتماعية والانسانية، واستيعاب التحولات التي يعرفها الواقع والفرد.