بقلم : إبراهيم بلالي اسويح
عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.الإعلان عن تعيين الدبلوماسي المخضرم الإيطالي ستيفان دي ميستورا مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء أكتوبر الماضي، خلفا للرئيس الألماني الأسبق هورست كوهلر الذي قدم استقالته منذ سنتين ظل فيها المنصب شاغرا , اعتبره الكثيرون بمثابة بداية لانفراج وشيك لهذا النزاع حول الصحراء المغربية الذي عمر طويلا.
ربما مراهنة هؤلاء مرجعها خبرة الرجل طيلة أربعين عاما من الدبلوماسية والشؤون السياسية، بل وادارته لملفات حارقة عبر العالم والتي هي الأخرى شغلت ولاتزال الرأي العام الدولي، اذ سبق له أن مثل الامين العام للامم المتحدة كمبعوث خاص في سوريا والعراق وافغانستان، بل ان هذا الاعتقاد بلغ درجة من الترسخ حد امتلاكه مفاتيح جديدة تخول له خلق فرص التقارب بين اطراف مماثلة عربية هي الأخرى في هذا الخلاف وهي ميزة لا قبل لمن سبقوه من الوسطاء والمبعوثين بها منذ وقف اطلاق النار سنة 1991, والدخول في التسوية السياسية لنزاع وصف في كثير من الأحيان بالمنسي وفي احيان اخرى بالجامد.
ومما يرسخ هذا الاعتقاد هو ما عرفته الفترة التي كان المنصب شاغرا من تجاذب ورفض لأكثر من 12اقتراحا لشغل هذه المهمة من لدن الأطراف كل بمبرراته، فجاء حدث التوافق على هذا المبعوث الأممي كبارقة امل للوصول إلى اتفاق لطي هذا الملف.
القرار الأممي الأخير رقم 2602 يدعو المغرب والجزائر و موريتانيا وجبهة البوليساريو إلى استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة وبحسن نية ،على أن تكون هذه المفاوضات في شكل موائد مستديرة.
من الجلي اذن, ان اي دفع بالعملية السياسية من طرف الامم المتحدة سيكون منسجما مع حث الأطراف للدخول في مفاوضات يحدد شكلها ومسارها هذا المبعوث بتشاور مع المعنيين بهذا الملف .
والملاحظ، بل مما يثير التوجس هو ان ادارة هذه المفاوضات وشكلها اصبح هو المبتغى والهدف، لأنه من خلالها يتحدد مصير الحل النهائي المنشود.
والواقع ان النظر بنوع من الشمولية يوحي بان التأثيرات الخارجية ورهاناتها يفيض ليطال كل المنطقة بما تشكله من اهمية جيو- إستراتيجية وهي بالفعل العوامل الحقيقية لإبقاء هذا الملف كبؤرة نزاع تضاف الى باقي بقع التوتر عبر العالم التي تقاس من خلالها درجات الصراع بين القوى الدولية.
ستيفان دي مستورا , زار المنطقة والاطراف لحدود الان مرتين منذ تعيينه، الزيارة الأولى في شهر يناير, حين التقى مختلف الأطراف ميدانيا ، اما الزيارة الثانية كانت في شهر يوليوز اقتصرت على لقاء المسؤولين في المملكة المغربية.
وبغض النظر عن ما تواثر من تسريبات عن فحوى هذه اللقاءات توحي بان خارطة الطريق المتوقعة لن تنحاز عن السياق العام الجديد وابعاده المتداخلة لتجاوز على الاقل هفوات سابقيه من الوسطاء وتجنب خيبة الفشل منذ بداية الطريق.
وإذا ما فترضنا بانه من السابق لأوانه الحديث عن اي تقريب لوجهات النظر بين الأطراف، فما بالك احراز التقدم ،لأن المبعوث الاممي لايزال في مرحلة بناء للتصور العام وتعميق معرفته بالملف للحديث عن الشكل والأهداف والغايات المرجوة من عملية التفاوض ،فإن ذلك قطعا سيحيلنا الى ان الرجل ليس في عجلة من امره ،بل ان ندرة لقاءاته الى حدود الان تنذر بالفجوة الكبيرة بين الفرقاء.
ان أي استشراف لمستقبل مهمة دي ميستورا تفرض الرجوع إلى ارث متراكم من انسداد الأفق حتم انسحاب من سبقوه ، يوازي ذلك استنفاد للمخزون الاقتراحي في مسيرة البحث عن هذه التسوية المنشودة..( استحالة تنظيم الاستفتاء، خطة اتفاق – الإطار، التقسيم ،الحل الوسط) كذلك والاهم الديناميات الفريدة التي ميزت التعاطي الدولي مع هذا الملف بعد سنة 2007 ,وما تلى ذلك من تأييد ودعم واسعين لا يمكن تجاهله لخطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في إطار مبادرة التعاون لتسوية هذا النزاع، اعتبرت ذات مصداقية وتتمتع بواقعية التطبيق،الامر الذي تضمنته قرارات مجلس الأمن الدولي المتعاقبة منذ ذلك التاريخ.
ينضاف الى هذا وذاك انخراط ولو بدرجات متفاوتة لأربعة قوى دولية مشكلة لمجموعة اصدقاء الصحراء من اصل خمسة في دعم هذا المقترح المغربي ( الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، اسبانيا) لتبقى روسيا القوة الإقليمية ذات الطموح العالمي (رغم انها لا تملك الوسائل لذلك) ،متأرجحة بين الحياد ودعم الحليف الجزائري.
كما ان هذه الوساطة جاءت بعد تامين جيش المملكة في نوفمبر 2020 للمعبر الحدودي الكركرات هو امر لم يكن ليتم الا بضوء اخضر للحلفاء الغربيين, مما يؤشر على ان حسابات البوليساريو تجاوزها الزمن الى عمق استراتيجي دولي يوحي بأن نيران التهديدات الأمنية والارهابية بالساحل وصل لهيبها الى منطقة الصحراء المتاخمة.
كما ان الرباط نجحت لأسباب اقتصادية وسياسة على السواء في تعميق سياستها الإنمائية في المنطقة الجنوبية، وذلك بتقوية الرابط الاساسي بين التنمية والاستقرار والتسوية الطويلة الامد للنزاع في الصحراء المغربية، ولم يعد ثمة ادنى خوف او اي تحفظ على اندماج هذا الإقليم ترابيا وتنمويا وسياسيا بمؤشرات وحدوية امام العالم، توجه المجهود المنفتح للدبلوماسية الملكية بفتح عشرات الدول المساندة للوحدة الترابية للمغرب لقنصليات موزعة بين مدينتي العيون و الداخلة .
الواضح بان اي مفاوضات تتأثر اكثر مما تؤثر على ارض الواقع، كما ان الأجرأ ة الفعلية للدور المحوري للوساطة رهين بالمدى الذي يصله دعم مجلس الأمن في قابلية فرض حل واقعي قابل للتطبيق، وهو امر غير ممكن لحد الساعة يقابله مضي في ادامة هذه الازمة، والذي بدأ يأخذ ابعادا اقليمية تصعيدية.
يبدو ان اطراف الازمة الأخرى، والتي كانت في السابق تملك القدر الكافي من هامش المناورة ، في مقدمة ذلك الجزائر التي ترفض علنيا استمرار مشاركتها في الموائد المستديرة , في ظل علاقات دبلوماسية محكومة بالقطيعة الغير مسبوقة مع الجار والغريم المغربي، كما ان جبهة البوليساريو فاقدة لزمام المبادرة بعد تنصلها من عهدة وقف إطلاق النار ،كل هذا ينبا بإفراغ العملية السياسية من اي زخم متوقع، رغم البيانات السياسية التي لا تعدو مجرد مجاراة لقرار مجلس الأمن ليس إلا.
الزيارة المحتملة لدي ميستورا للمنطقة قبيل انعقاد الجلسة القادمة لمجلس الأمن, قد يستشف منها في الافق ما مدى استيعاب هذا الاخير لوضع اقليمي بلغ من القتامة ما يدعو للتشاؤم، و مستوى النجاعة المطلوبة والتي افتقدتها جولات التفاوض التي باشر اسلافه إدارتها في مانهاست وجنيف وغيرها ، أكانت رسمية ام غير رسمية، مباشرة أو على شكل موائد مستديرة، وما تراكم في الكواليس الذي كانت دائما تنسج خيوطه بعيدة عن دائرة القرار الإقليمي.
الى ذلك الحين , يبقى من المؤكد ان مهمة الوساطة تبدأ هذه المرة عسيرة وشبه مستحيلة