بقلم :عبداللطيف بيه.
العنف المدرسي هو أحد مظاهر الشذوذ الناتج عن عدم التكيُّف مع محيط المدرسة،وتنتج عنه سلوكاتٌ تسلُّطيُّة تتمثّل بتعدّي أحد مكوّنات البيئة التعليمية على العناصر الأخرى الحيّة أو الماديّة،ويتخذ العنف المدرسي أشكالا متعددة ،تختلف باختلاف درجة العقاب ،ومن ابرز أنواعه الجسدي: إذ يسعى بعض المعلمين إلى استخدام سلطتهم وإنفاذ أحكامهم بإيقاع العقوبة البدنيّة بحقّ التلميذ لتقصيره في أمر دراسي أو تربوي أو لفضّ النزاعات أو لغيرها ،بينما يستخدمُ العنف الرمزي لدى بعض الأساتذة أحياناً كأسلوب للتوبيخ اوالإهانة، فيما يرى فيه البعض الأخر زجرا للمتعلمين وردعهم، أو تأنيبهم ضمن نطاق المؤسسة التربوية.
وجدير بالذكر أن حالات الاعتداء على الجسم التعليمي في ارتفاع خطير وكانت أخرها أستاذة بثانوية الحسين بن علي في الدار البيضاء التي تعرضت لهجمة بالسلاح الأبيض على مستوى فكها، من قِبَل أحد تلاميذها، وهوما أدخل القضية في جدال واسع على المستوى الوطني، ليرى فيه رواد مواقع التواصل الاجتماعي ،تفسيرا مجتمعيا لظاهرة العنف المدرسي كسلوك لا تربوي حيث عبر الناشطون خلالها عن أسفهم الشديد لما آلت إليه المنظومة التربوية في المجتمع المغربي، وانحلال خلقي في مختلف القيم الدينية والأخلاقية ، قس على ذلك اعتناق قيم جديدة اكتسبها المراهقون عن طريق الإعلام الجديد من خلال متابعتهم لبعض الأفلام والمسلسلات التي ثؤتر بشكل أو بأخر في شخصيتهم ،لتبرز بعد ذلك مظاهر العنف في قالب جديد داخل فضاء المؤسسات التعليمية،حيث تنازلت الأسر عن أدوارها في التنشئة الاجتماعية لصالح التلميذ والمؤسسات التعليمية وهو ما يدفع التلميذ إلى المطالبة بالتحرر دائما ،موظفا العنف كسلوك لتحقيق مطالبه أو على الأقل كأسلوب للفث انتباه الأسرة والمدرسة والمحيط المجتمعي، ورفضه كل ما يعتبر في نظره من قيم وضوابط مجتمعية لاتلزمه ووجب التخلص منها.
وفي ظل تفاقم حالات الاعتداء يتبين وجود خلل في النظام التربوي العام ، وباعتبار العنف المدرسي أزمة وظاهر مجالية تنتقل من بقعة جغرافية إلى أخرى فإنه يتأثر بأبعاد متعددة سياسية( تفعيل مراسيم جائرة في حق الأساتذة، وكذا التغير العفوي في البرامج والتدابير التربوية) وإقتصادية (عدم ملائمة سوق الشغل لمتطلبات خريجي الجامعات والمدارس العليا) واجتماعية تشكل فيها المؤسسات التربوية قسط كبير، ونخص بالذكر هنا الأسرة الحديثة أو النووية كما يحلوا لبعض السوسيولوجين تسميتها، بإعتمادها على منهج اتكالي في التربية، وفسحها مجال للسلوك الفردي الذي يفتقد للمعاير والقواعد الاجتماعية.
وتشرعن المؤسسات التعليمية أيضا لهيئة التدريس العنف بعدم مراقبة سلوكات التلاميذ المنحرفة في غياب الإجراءات الأزمة للحد من تكراره ، كما يساهم بعض الأساتذة بوعي أوغير وعي في استمرار ظاهرة العنف بوصفه شيء عادي جدا،حالة تذكرنا بأستاذ ضحية إعتداء على يد متعلميه في ثانوية سيدي داود بورززات، وكون االسلوك طبيعي ، فإن الشكاية في الموضوع أمر غير مقبول رغم إهانة كرامته كأستاذ، والمس بمكانة المدرسة وقيمتها الأساسية.
كما يعتبر المجتمع طرفا أخر في تفشي طاهرة العنف المدرسي من خلال إنتاجه لأفراد سيادين يؤمنون بأن المتعة لاتتحقق إلا عن طريق أدى جسدي أو تعذيب كشرط للهيمنة والفحولة الإجتماعية، وسميت بالسادية نسبة إلى ماركيز ذي ساد الأديب الفرنسي المشهور،الذي تتميز شخصيات رواياته بالاندفاع القهري إلى تحقيق اللذة بالتعذيب، وتتلخص صفات الشخص السادي في الوسوسة وحب السيطرة على الأشياء وعدم الشعور بالذنب إضافة إلى فقدان الثقة بالآخرين.
ويرى السوسيولوجي الفرنسي إيميل دوركايم أن المدرسة تقوم بوظفني الحفاظية والمحافظة على الإرث الديني والثقافي والحضاري ،حيث يعتبرها وسيلة للتطبيع و تحقيق الإنسجام بنقل القيم من جيل إلى أخر من خلال عملية التنشئة عبر المؤسسة الأسرية (الأسرة) والمؤسسة التعليمية ( المدرسة ) لتمكين المتعلم من التكيف وتسهيل إدماجه في بيئته ومجتمعه.
وبناء على ما سبق يتضح لنا أن ظاهرة العنف المدرسي كظاهرة تربوية ،لا زالت في استمرار خطير يهدد المنظومة التعليمية ،وأن المحاولات المستهدفة للقطاع التعليم تبقى محدودة وغير كافية في أخر المطاف ، مما يستدعي وبالضرورة من وزارة التربية الوطنية تكثيف الجهود وذلك للبحث عن أسباب أزمة التعليم والسعي كذلك إلى ترسيخ قيم التسامح والسلم بالمؤسسات التعليمية ،وإعادة الاعتبار لمؤسسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة والمدرسة، ومراجعة منظومة التربية عن طريق وضع أسس تنظيمية لا زجرية تحدد الأدوار والعلاقات التربوية في إطار الالتزام بالواجب حفاظا لكرامة الأستاذ، وكذلك انضباطا للمتعلم كضمان حقه في التعليم لبلوغ أهداف منشودة في التحصيل الدراسي وجودة التعلمات وتفاديا للعوائق التعليمية والتربوية التي تجتاح المدرسة المغربية.