دعم مستثمر بالداخلة ب11 مليون درهم يثير جدلا واسعا بين شفافية آليات تنزيل قانون دعم الاستثمار والصراعات السياسية 

الحك مايفكع … كتب : إبراهيم أبهوش|
أثار تصريح الوزيرة زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، موجة من الجدل السياسي والاقتصادي في المغرب، بعدما كشفت عن تخصيص دعم مالي بقيمة 11 مليون درهم لأحد المستثمرين في قطاع الصيد البحري بمدينة الداخلة. هذا الإعلان، الذي جاء خلال تجمع حزبي للتجمع الوطني للأحرار بذات المدينة ، أثار تساؤلات عميقة حول مدى شفافية آليات توزيع الدعم الحكومي، خصوصًا مع وجود مئات الطلبات لمستثمرين شباب لم تحظَ بالموافقة رغم استيفائها لشروط دعم المشاريع!!
إفصاح الوزيرة عن حصول أحد المناضلين المنتمين لحزبها على هذا الدعم الضخم فتح الباب واسعًا أمام الانتقادات، خصوصًا من مناضلي بعض الأحزاب المنافسة التي اعتبرت الأمر دليلاً على أن التمويلات العمومية قد تكون موجهة بشكل انتقائي يخدم مصالح سياسية أكثر من تحقيق أهداف اقتصادية وتنموية حقيقية.
هذا الجدل أعاد طرح السؤال الأهم: هل تخضع سياسات دعم الاستثمار في المغرب لمنظومة شفافة تضمن تكافؤ الفرص بين جميع المستثمرين، أم أن الولاءات السياسية تلعب دورًا حاسمًا في توزيع الموارد المالية؟
التساؤلات التي أثارها مناضلي عدة احزاب في  المعارضة بالداخلة ، لم تتوقف عند قيمة الدعم فقط، بل امتدت لتشمل آلية توزيعه وشروط الاستفادة منه. في الوقت الذي يكافح فيه العديد من الشباب للحصول على تمويل لتنفيذ مشاريعهم في القطاعات الحيوية، يتم منح أحد المناضلين الحزبيين دعماً بملايين الدراهم، الأمر الذي يطرح إشكالية كبرى حول كيفية إدارة المال العام ومدى تحقيقه لمبدأ الإنصاف والعدالة الاجتماعية!!
هذه المعطيات دفعت بعض الفاعلين السياسيين بالجهة إلى المطالبة بتحقيق واضح في كيفية منح هذا الدعم، وإعادة النظر في سياسات تمويل المشاريع الاستثمارية لضمان استفادة جميع الفاعلين الاقتصاديين بالجهات الجنوبية الثلاث من هذه البرامج بشكل عادل.
تأتي هذه التساؤلات في ظل ارتفاع معدلات البطالة في الأقاليم الجنوبية، حيث سجلت جهة الداخلة وادي الذهب وجهة كلميم واد نون معدلات بطالة مرتفعة بلغت 23.8% وفق آخر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط ، هذه النسبة تعكس التحديات الاقتصادية التي تواجه الشباب الباحثين عن فرص عمل، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصيد البحري، الذي يُعد أحد الركائز الاقتصادية الأساسية في هذه المناطق.
ويُشغل قطاع الصيد البحري في الأقاليم الجنوبية أكثر من 31,859 فرصة عمل مباشرة، منها 10,274فرصة عمل في مصانع تعليب الأسماك وحدها.
 وعلى الرغم من هذه الأرقام، فإن العديد من الشباب يواجهون صعوبات في ولوج سوق العمل بسبب غياب برامج دعم واضحة تتيح لهم الاستثمار في هذا القطاع الحيوي. في المقابل، تظل نسبة النساء في التشغيل الذاتي محدودة، حيث تشير التقارير إلى أن مشاركة النساء في سوق العمل لا تزال ضعيفة، إذ أن أربع نساء من أصل خمس هن خارج سوق الشغل، رغم الجهود المبذولة لتعزيز تمكين المرأة اقتصاديًا.
ردود الفعل السياسية كانت متفاوتة، حيث عبرت بعض الأراء المعارضة عن رفضها لما اعتبرته “محاباة سياسية” في توزيع الدعم، بينما حاولت أطراف أخرى التقليل من أهمية الجدل، معتبرة أن تصريح الوزيرة الدرويش جاء لتاكيد مجهودات الوزارة في علاقتها بالاستثمار والتشغيل بجهة الداخلة وان جميع المستثمرين لهم الحق في الاستفادة من البرامج الحكومية وفقًا لشروط محددة.
في ما يبقى الغموض الذي يحيط بطريقة اختيار المستفيدين من الدعم العمومي المتعلق بالاستثمار يعزز المخاوف من أن يكون دعم الاستثمار  بهذه الجهات مرتبطًا أكثر بالحسابات السياسية منه بالمقومات الاقتصادية الصرفة، هذا الجدل يأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد المغربي تحديات تتطلب إصلاحات حقيقية لضمان استدامة التنمية ودعم المقاولين الشباب، بدلًا من توجيه الموارد نحو مصالح محدودة ذات طابع سياسي.
مطالب الإصلاح تتزايد، حيث يدعو العديد من الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين إلى ضرورة مراجعة منظومة الدعم المالي للمشاريع الاستثمارية، وذلك عبر إقرار آليات شفافة وإجراءات رقابية تضمن عدالة توزيع الموارد بعيدًا عن أي تأثيرات حزبية أو سياسية، ومن بين المقترحات المطروحة فتح طلبات العروض بشكل علني أمام المستثمرين، واعتماد معايير واضحة لتقييم المشاريع وفق مردوديتها الاقتصادية وليس انتماءاتها السياسية، إضافة إلى تعزيز دور الجهات الرقابية لضمان أن المال العام يُوجَّه نحو تحقيق أهداف التنمية الشاملة وليس لخدمة مصالح حزبية ضيقة.
تصريح الوزيرة الدريوش لم يكن مجرد إعلان عن دعم مالي لمستثمر اثير عليه كل هذا الجدل بسبب انتماىه السياسي لحزب يقود الحكومة ، بل كشف عن جدل أوسع حول إدارة الموارد العامة ومدى تحقيقها للعدالة بين الفاعلين الاقتصاديين، هذا الجدل سيظل مفتوحًا ما لم تتم مراجعة سياسات دعم الاستثمار لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية الحقيقية، بعيدًا عن أي حسابات سياسية قد تعطل فرص الشباب المغربي في ولوج عالم الاستثمار.
وستشكل مراجعة هذه السياسات وإقرار آليات أكثر شفافية خطوة ضرورية نحو تعزيز بيئة اقتصادية متوازنة، تلبي تطلعات المستثمرين والمواطنين على حد سواء، وتضمن أن المال العام يُوظَّف لصالح النمو الاقتصادي وليس لخدمة المصالح الحزبية الضيقة.
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. بوجمعة بن الطيب :

    سي ابراهيم الاعلامي البارز والمتمكن والصادق كل مقالاته في المستوى العالي قيمته في اسمه وقلمه

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)