أحداث وطنية ودولية بارزة في مرآة دجنبر 2018 يرصدها بوصوف.

Print Friendly, PDF & Email

بقلم : عبدالله بوصوف.

لم تبق على استقبال سنة 2019 إلا أيام قـلـيـلـة، ومع ذلك يُــصر شهــر دجنبر على أن يطبع سنــة 2018 بـمزيد من الأحداث المُـثيـرة والمُـؤثــرة على أكثـر من مستوى، ويضفي على سير هذه الأحداث مزيدا من التعقيد ويزيد من تداعياتها ومن سيناريوهاتها المحتملة.

images-1

ففي شهر دجنبر استقبلت مدينة مراكش المنتدى العالمي للهجرة والتنمية من 7 إلى 9 دجنبر في دورته الحادية عشرة برئاسة كل من ألمانيا والمغرب، أعقبه توقيع «إعلان مراكش» بمناسبة الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنتظمة ونظامية، برعاية هيئة الأمم المتحدة يومي 10 و11 دجنبر، وما رافق هذا المسلسل الأممي من تجاذبات سياسية وأيديولوجية بين تيارات حزبية متطرفة وأخـرى وسطية، تجلى في رفض حكومات يمينية أو يمينية متطرفة المصادقة على هذا الميثاق رغم طابعه غير الملزم، وحضور جميع الحكومات والأنظمة الوسطية والمؤمنة بأولوية المقاربة الإنسانية على المقاربة الأمنية في ملف الهجرة واللجوء.

وهو تجاذب لخصته الرسالة الملكية ليوم 11 دجنبر بالتأكيد على أنه «بين التساهل غير المقبول والمقاربة الأمنية التي يمكن تحملها هناك خيار وسطي، هو الذي نُدشنه اليوم، إنه خيار يضع السيادة التضامنية في مواجهة القومية الإقصائية، وتعددية الأطراف مقابل الانغلاق والمسؤولية المشتركة ضد اللامبالاة المكرسة مؤسساتيا…».

ولا شك أن تخليد العالـم لليـوم العالمي للهجرة في 18 دجنبر القادم سيتأثر لا محالة بكل مُخرجات وخُلاصات مراكش، سواء المتعلقة بالمنتدى العالمي للهجرة والتنمية أو تلك الخاصة بالميثاق العالمي للهجرة من جهة، كما سيتأثر بالأحداث الـدولية سريعة التقلب وصعبة التكهن من جهة ثانية.

من جهة أخرى فإن شهر دجنبر من هـذه السـنة تميز بانعقاد اجتماع جنيف الخاص بقضية الصحراء المغربية يومي 5 و6، بحضور كل أطراف النزاع، بما فيها الجزائر وموريتانيا، وبرعاية المبعوث الخاص للأمين العام السيد هورست كولر.

ولعل أهمية هذا اللقـاء تكمن في العودة إلى طاولة المحادثات، «وفتح فصل جديد في العملية السياسية» بتعبير المبعوث الشخصي، بعــد غياب استمر منذ سنة 2012. وتعامل المغرب بعبقرية في هذه المحادثات، وقرر إشراك صحراويين مُنْـتخبيـن بطريق ديمقراطية في المجالس المحلية والجهوية بأقاليمنا الجنوبية، يُـمثلــون سكان الصحراء المغربية، أي جهة العيـــون الساقية الحمراء، وجهة الداخلة وادي الذهب، ضمن الوفد المغربي، وهو الحضور الـذي عبر عنه السيد بوريطة، وزيــر الخارجية والتعاون المغربي، بقوله إنه «كان له تأثير مهم في سير أعمال المائدة المستديرة، وذلك عبر العروض التي قدمها ممثلو الأقاليم الجنوبية حـول التقدم الاقتصادي وبرامج التنمية في المنطقة ودور الشباب والنساء كقاطرة لإيجاد حل لنزاع الصحراء…».

أحداث اليوم ترسم سيناريوهات الغد

وعـرف شهر دجنبر تغييرات عديدة في إحداثيات سياسية واقتصادية وجغرافية، فـلازالت بريطانيــا في مـد وجـزر سياسي مع «البـريكسيت»، ما قــد يعصف بحكومة تيـريزا ماي، أو يُـعيد الكرة من جديدة إلى ملعب الشعب وإعلان استفتاء جـديـد.

كما شهد الشهر نفسه مؤتمـرا لدول مجموعة العشرين «جي 20» في البرازيل، حاول تفادي الحرب التجارية خاصة بين التنين الصيني وأمريكا دونالد ترامب؛ بالإضافة إلى إعادة ترتيب أولويات السياسات الإستراتيجية، خاصة في المجال الاقتصادي والمجال البيئي والأمني، وتحديدا على مستوى حلف الشمال الأطلسي.

في شهر دجنبر أيضا أجريت انتخابات داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي كانت تتزعمه أنجلا ميركل، التي أعلنت عــدم ترشحها لولاية جديدة على رأس الحزب بعـد أن قادته لمدة 18 سنـة؛ إلا أن ذلك لم يمنعها من البقاء في منصب المستشارة الألمانية إلى غايـة سنة 2021. وقــد أُعلــن فــوز السيـدة انغريت كرامب كارين باور، البالغة 56 سنة، كخليفـة لميركل يـوم 7 دجنبر، وهي بالمناسبة حليفة وفية لمبادىء السيدة أنجيلا ميركل، ما يؤكد فرضية المحافظة على التوازنات السياسية في ألمانيا إلى ما بعـد سنـة 2021 في حال استطاع الحزب المحافظة على ناخبيه، وبالتالي على قيادة الائتلاف الحكومي.

شهــر دجنبر شهد أيضا مسيرات غاضبة «لأصحاب السترات الصفراء” في شوارع باريس وغيرها من المدن الفرنسية، احتجاجا على تدني القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي مقابل الضرائب والزيادة في أسعار البنزين وغيرها. وامتدت المسيرات إلى شوارع العاصمة البلجيكية بروكسيل. وقد خلفت المسيرات الغاضبة ضحايا بين موتى وجرحى ومعتقلين، بعـد أحـداث عنف وتخريب للممتلكات العامة والخاصة في أرقى شوارع باريس.

ورغم الطابع العفوي الذي انطلقت به مسيرات السترات الصفراء، إلا أن العديـد من التيارات السياسية المعارضة لسياسة الرئيس إمانويل ماكرون حاولت استغلال غليان الشارع الفرنسي لتمرير خطابات سياسية ذات طابع يميني متطرف. ووصف جانب من المتابعين هذه الاحتجاجات بأنها تجسد عجز المؤسسات السياسية ومؤسسات الوساطة، بما فيها من أحزاب ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، عن إيجاد إجابات سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية لانشغالات المواطن الفرنسي، بعيدا عن الشعبوية السياسية وشعارات البرامج الانتخابية.

مسيرات السترات الصفراء هي أيضا مسيرات الطبقة المتوسطة، ومسيرات سكان الضواحي، بمن فيهم الفرنسيون من أبناء المهاجرين الذين رفعوا شعارات تعبر عن همومهم المعيشية وتدني قدرتهم الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار، وما تضمنته برنامج ماكرون من رفع الضرائب ومساهمات التقاعد، وارتفاع تكاليف النقل والتعليــم. ودفعت هاته المسيرات الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الإعلان في خطاب للشعب الفرنسي عن رُزمة من الإصلاحات الضريبية والمكتسبات الاجتماعية، كالـزيادة في الحد الأدنى للأجور، وتجميد بعض الضرائب…

بالإضافة إلى ذلك، أرخ شهــر دجنبر لمشهد جديــد من الأعمال الإرهابية بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، نفذه (شريف – ش. 29 سنة)، وهو فرنسي من أصول مهاجرة، معروف لــدى السلطات الأمنية والقضائية والسجنية لارتكابه العديد من جرائم السرقة والعنف وغيرها، وراح ضحيته أبرياء بين قتلى وجرحى، وخلف أثـرا نفسيا عميقا لدى الساكنة، خصوصا أنه تزامن مع احتفالات نهاية السنة الميلادية.

ورغم عدم ثبوت علاقة الجاني مع أحد التنظيمات الإرهابية المعروفة، كما لم تعلن أي جهة انتماء شريف – ش إليها، إلا أن انتماءه إلى أصول مهاجرة وإلى سكان الضواحي من المتوقع أنه سيؤثر سلبا من جديد على وضعية المهاجرين بفرنسا وبأوروبا، كما سيُعزز من أطروحة اليمين المتطرف المعادية للأجانب والمهاجرين، وخاصة المسلمون منهم.

أما في إسبانيا فقد كان شهر دجنبر حافلا على الصعيد السياسي، وعرف إجراء انتخابات جهوية في الأندلس، وهي المنطقة التي تشهد أكبر تجمع سكاني في البلاد، أعطت ننائجها دخــول حزب فوكس (صوت الشعب) اليميني المتطرف إلى برلمان الأندلس بتاريخ 2 دجنبر، كما أعطت فوزا كاسحا لأحزاب اليمين (الحزب الشعبي وحزب مواطنون) لتضع حدا لهيمنة الحزب الاشتراكي على الحكومة المحلية التي يترأسها منذ سنة 1982.

كـل هـذه الأحـداث والمواقف الدولية والقارية التي ميزت وتميـز بها شهر دجنبر من سنة 2018 تجعل منها مقدمات لسيناريوهات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية تنتظرنا في سنة 2019.

شارك المقال
  • تم النسخ